التخطي إلى المحتوى

إعداد: أحمد البشير

ينتاب محامي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب القلق بشأن التحقيق الجنائي الذي تجريه وزارة العدل الأمريكية بشأن احتفاظ ترامب بوثائق حكومية سرية في مكان إقامته بمنتجع «مارالاجو» بولاية فلوريدا. وهذا التحقيق ليس «واسع النطاق» أو «سياسياً»، كما أشار محامو ترامب في مذكرة، ولكنه محدد للغاية ويستند إلى العديد من الشهود السريين، حيث منح القاضي الفيدرالي الضوء الأخضر لتفتيش منزل الرئيس الأمريكي السابق.

تعكس حالة تفتيش مقر إقامة ترامب الكابوس المركزي الذي عاشه ترامب بعد الرئاسة، ويبدو أنه لا يزال يؤمن، على حد تعبير الملك الفرنسي لويس الرابع عشر، بأنه «الدولة»، إذ لا تزال قرطاسية ترامب تحوي الختم الرئاسي. ويُعتقد أن ترامب يتوق للحصول على سلطة دائمة مثل الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي قال عنه في عام 2018 إنه «الآن رئيس مدى الحياة، ولربما في يوم من الأيام سأحظى بمثل هذه التجربة».

ويذكرنا ترامب وهو جالس في مقره في «مارالاجو» بمسرحية «الملك لير» لويليام شكسبير، عندما عاش لير في منفاه غاضباً، حيث تخيّل الأخير أنه يستطيع الاحتفاظ بامتيازاته، حتى بعد تركه للعرش. ولا يزال الرئيس الأمريكي السابق يهاجم خصومه في الحزب الديمقراطي ويتذكر مجده عندما كان في منصبه. وفي العام الماضي، صوّرته صحيفة التايمز وهو يفتش في صناديق الوثائق السرية ومقتنيات الرؤساء السابقين، قبل أن يقرر ما إذا كان سيعيدها إلى الأرشيف الوطني.

مزاعم التواطؤ

ويشبّه مسؤول سابق في إدارة ترامب احتفاظ الرئيس السابق بالوثائق السرية ب «طفل صغير يأخذ لعبة لا تخصه، ويرى مدى انزعاج الأطفال الآخرين من ذلك، ويقرر في النهاية الاحتفاظ بها. وكلما أراد الطفل الآخر استعادتها، زادت رغبة ترامب في الاحتفاظ بها».

وكانت الفترة الرئاسية لدونالد ترامب بمثابة حرب ضد ما تخيله على أنه «دولة عميقة» من عملاء مكتب التحقيق الفيدرالي ومسؤولي المخابرات ومحامي وزارة العدل الذين يتآمرون لتشويه سمعته ومنع انتخابه أو إعادة انتخابه. وبحسب أقوال محاميه، فإن هؤلاء الخصوم تصرفوا «بازدراء تام، وتحيّز ضد الرئيس ترامب وأنصاره، بينما عُهد إليهم بالتحقيق في مزاعم التواطؤ الروسية الهزلية».

وكان القائد الميداني في معارك ترامب ضد مجتمع الاستخبارات موظفاً سابقاً في الكونجرس يُدعى كاش باتيل، وهو الآن أحد ممثلي ترامب في التعامل مع الأرشيف الوطني. وكان دور باتيل هو الدفاع عن دونالد ترامب ضد وكالات الاستخبارات. وبعد تعيين باتيل في مجلس الأمن القومي في عام 2019، أراد ترامب تعيينه نائباً لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، ثم نائباً لمدير وكالة المخابرات المركزية.

ويقول تشارلز كوبرمان، النائب السابق لمستشار الأمن القومي، والذي كان في القاعة عندما قدم ترامب الاقتراح في عام 2019: «كان لدى ترامب فكرة جعل باتيل مساعداً خاصاً للرقابة على البيت الأبيض، وهو منصب يسعى إلى فضح الدولة العميقة في حاشية البيت الأبيض»، وأضاف المسؤول إنه عندما اعترض كوبرمان، وبات سيبولوني، مستشار البيت الأبيض على ذلك، رضخ ترامب للمطالب. ولم يكن ترامب غير مبالٍ تماماً بشأن الدراما القانونية التي يتعرض لها، حيث رفع محاموه دعاوى تطالب بتعيين مستشار خاص لتصفح ومراجعة المواد والمستندات التي صادرها مكتب التحقيقات الفيدرالي.

غموض التحقيقات

لكن الأشخاص الذين تحدثوا إلى الرئيس السابق يقولون إنه عازم على الاهتمام بحركته السياسية ومستقبله الانتخابي، وأضافوا أنه كان متفائلاً وليس متشائماً. ولم يردعه ذلك عن الاستمرار في نشاطه السياسي.

وعلى الرغم من أنه يخضع للتحقيق في «جرائم» مزعومة بموجب قانون التجسس، إلا أن ترامب استخدم حادثة مداهمة مقره في «مارالاجو» لتعزيز موقفه السياسي. وعلى المستوى الخاص، هناك اعتقاد بأن الحدث الأخير سيجمع المحافظين إلى جانبه، وسيكون ذلك بمثابة إطار فعاّل لجعله المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة. وقد حذره مستشاروه من أنه لا يزال من غير الواضح إلى أين قد تقود تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي، لكنه مع ذلك يميل إلى الدور التقليدي الذي يلعبه الآن، وهو دور الضحية أمام الدولة العميقة. وقال ترامب في منشور على منصته «تروث سوشال»: «تشير جميع استطلاعات الرأي بقوة إلى أنني المرشح الذي لا يرغب الديمقراطيون مواجهته، ومن هنا جاءت الغارة ذات الدوافع السياسية على مقر إقامتي في مارالاجو، والتي جاءت بنتائج عكسية».

وساهمت النتائج في تشجيع ترامب من الناحية السياسية على الأقل، إذ ارتفعت حظوظه في استطلاعات الرأي المتعلقة بالانتخابات الرئاسية التمهيدية لعام 2024، وأظهر استطلاع للرأي أجرته كلية «سانت أنسيلم» في «نيو هامبشاير» مؤخراً أن ترامب يتقدم بنحو 20 نقطة على منافسيه المحتملين، بما في ذلك حاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس. وأظهر استطلاع ل شبكة «سي إن بي سي» أنه بينما تعتقد غالبية الناخبين الأمريكيين أن التحقيقات بشأن ترامب يجب أن تستمر، فقد قفز دعم ترامب داخل الحزب الجمهوري بنسبة 7 نقاط مئوية منذ التحقيقات.

إنقاذ أمريكا

واستضاف ترامب مسيرات عبر الهاتف لدعم المرشحين عن حزبه ويخطط لعقد تجمع «إنقاذ أمريكا» في مدينة «سكرانتون» بولاية بنسلفانيا، لدعم اثنين من مرشحيه المعتمدين: المرشح لمجلس الشيوخ محمد أوز والمرشح لمنصب حاكم بنسلفانيا، دوغ ماستريانو، كما من المتوقع أن يعقد ترامب المزيد من المسيرات التي تسبق انتخابات التجديد النصفية.

والسؤال الذي ينتظر الجميع هو ما إذا كان أو متى سيجري دونالد ترامب تجمعاً جماهيرياً من أجل سباقه الرئاسي.

ويعتقد الأشخاص المحيطون بترامب أن ترشحه للانتخابات الرئاسية في عام 2024 أمر مؤكد في هذه المرحلة. لكن في حين أن مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالي لمنزله لم تغيّر كل شيء في عالم الرئيس السابق، إلا أنها على ما يبدو لها تأثير رئيسي واحد، وهو تعقيد القرار بشأن موعد الإعلان، إذ هنالك العديد من الأشخاص الذين يطلبون من ترامب الانتظار إلى حين انتهاء التحقيقات، في حين تحثه جهة أخرى على الإعلان عن ترشحه للرئاسة كدليل على التحدي السياسي.