التخطي إلى المحتوى

طقس شديد البرودة يخيّم على أجواء العلاقة بين ألمانيا وفرنسا، فقد تعقّدت العلاقات بين زعيمي القوتين الاقتصاديتين في الاتحاد الأوروبي، إيمانويل ماكرون وأولاف شولتس، لدرجة أنهما لم يجرؤا حتى على الظهور في مؤتمر صحافي بعد لقائهما المشترك في باريس، يوم الأربعاء الماضي، وهو التقليد الدبلوماسي الأكثر مجاملة، والذي يأتي بعد الاجتماعات الثنائية. وكانت برلين قد أعلنت في وقت سابق عن هذا المؤتمر الصحافي، إلا أن قصر الإليزيه قام بإلغائه.

مزاعم

فقد زعم مسؤولون من الجانبين بعد انتهاء غداء العمل – لم يرغبوا في الكشف عن هويتهم – أن الاجتماع كان ناجحاً.

وقال أحد مستشاري ماكرون: «لقد كان بنّاءً واستراتيجياً للغاية، وانصب اهتمامنا على الطاقة، واليوم تمكنّا من رفع مستوى المحادثة، ومناقشة ما نريد القيام به في غضون خمس أو 10 سنوات»، وفقاً لمسؤول ألماني.

إلا أن المؤتمر الصحافي الملغى يعكس قصة أخرى، تتمثل في ازدراء لشولتس، فقد سافر شولتس برفقة مجموعة كاملة من الصحافيين إلى باريس، ومن هناك انتقل إلى أثينا في زيارة دولة أخرى، ويُعتبر عدم عقد مؤتمر صحافي لزعيم زائر تكتيكاً سياسياً، يمثل بشكل عام ازدراءً للضيف، كما فعل شولتس أخيراً عندما زار برلين رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوروبان.

وتقول عضو الحزب الديمقراطي الألماني الحر، وعضو مجلس إدارة الجمعية البرلمانية الفرنسية الألمانية، ساندرا ويزر «نعتقد أن هناك قصوراً حتى الآن في الاتصال بين الفرق الحكومية الجديدة لكل من شولتس وماكرون، وهذا يدل بالتأكيد على بداية علاقات سياسية مستعصية بين الجانبين، ويجب أولاً بناء الثقة من أجل تقويمها».

أزمة الطاقة

خلال الأسابيع الأخيرة، اختلف كل من شولتس وماكرون حول كيفية معالجة أزمة الطاقة، وكيفية التغلب على عجز أوروبا في الدفاع عن نفسها، وأفضل نهج للتعامل مع الصين.

وفي الأسبوع الماضي، ظهرت هذه التوترات إلى العلن عندما تم تأجيل اجتماع مجلس الوزراء الفرنسي الألماني المقرر في بلدة فونتينبلو الفرنسية، إلى يناير المقبل، وسط خلافات كبيرة حول نص الإعلان المشترك، إضافة إلى خطط العطلات المتضاربة لبعض الوزراء الألمان. كما ظهر الخلاف بين الحكومتين على نطاق واسع في قمة الاتحاد الأوروبي، التي انعقدت الأسبوع الماضي في بروكسل.

توتر التحالفات الأوروبية

تسببت الحرب في أوكرانيا وأزمة التضخم والطاقة في توتر التحالفات الأوروبية، في الوقت الذي هي في أمس الحاجة إليها، وما ظل دائماً تحالفاً حيوياً بين باريس وبرلين بدا متناقضاً في أفضل الأحوال. ويشكو المسؤولون الفرنسيون من أن برلين لا تعاملهم بالشكل اللائق كشركاء موثوقين، فعلى سبيل المثال، ادعت فرنسا أن ألمانيا لم تطلعها مسبقاً على حزمة تخفيف أسعار الطاقة المحلية بقيمة 200 مليار يورو، ويعلم الفرنسيون أن نظراءهم في برلين على دراية بأسباب إحباطهم.

وتقول المشرّعة من حزب الخضر (أحد الأحزاب الثلاثة في الائتلاف الحاكم في ألمانيا)، شانتال كوبف، عضو مجلس إدارة الجمعية البرلمانية الفرنسية الألمانية، «كان هذا التعاون يسير دائماً بشكل جيد في أوقات الأزمات – على سبيل المثال صندوق التعافي أثناء أزمة فيروس (كورونا) – والآن يريد الفرنسيون أيضاً الاستجابة لأزمة الطاقة الحالية، أو كيفية التعامل مع الصين».

وأشارت ويزر إلى نتيجة مماثلة، حيث قالت «باريس منزعجة من اتخاذ ألمانيا قراراً بمفردها بشأن وضع حد لأسعار الغاز، وعدم دعمها لمشروعات تكنولوجيا الدفاع الأوروبية المشتركة»، وفي الوقت نفسه، اتهمت ويزر الحكومة الفرنسية بأنها كانت تتباطأ حتى وقت قريب في إنشاء خط أنابيب جديد يربط بين شبه الجزيرة الأيبيرية وشمال أوروبا.

توترات غير مسبوقة

في الآونة الأخيرة، انزعجت الحكومة الفرنسية من أنباء تفيد بأن شولتس يخطط لزيارة بكين، الأسبوع المقبل، للقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ، في أول زيارة يقوم بها زعيم أجنبي للصين، منذ أن بدأ جين بينغ فترة ولاية ثالثة. وتستعد ألمانيا والصين أيضاً للمشاورات الحكومية المخطط لها في يناير.

ويعتقد الإليزيه أنه كان من الأفضل لو زار ماكرون وشولتس الصين معاً، ويُفضّل أن يكون ذلك بعد فترة وجيزة من مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني، الذي حصل فيه شي على تفويض آخر. ووفقاً لمسؤول فرنسي، فإن الزيارة التي تأتي بعد فترة وجيزة من المؤتمر من شأنها «إضفاء الشرعية» على فترة ولاية شي الثالثة.

ويتناقض نهج ألمانيا وفرنسا غير المنسق تجاه الصين، مع زيارة شي الأخيرة لأوروبا في عام 2019 عندما رحّب به ماكرون، ودعا أيضاً المستشارة السابقة، أنغيلا ميركل، ورئيس المفوضية الأوروبية السابق، جان كلود يونكر، إلى باريس لإظهار الوحدة الأوروبية.

وامتنع ماكرون عن توجيه انتقادات مباشرة لصفقة ميناء هامبورغ المثيرة للجدل مع شركة كوسكو الصينية، التي أتت قبل فترة وجيزة من زيارة شولتس إلى بكين، لكن الرئيس الفرنسي تساءل، الأسبوع الماضي، عن الحكمة من السماح للصين بالاستثمار في «البنية التحتية الأساسية»، وحذر من أن أوروبا كانت «ساذجة» تجاه المشتريات الصينية في الماضي «لأننا جعلنا أوروبا مثل سوبر ماركت مفتوح».

ويقول نائب رئيس لجنة الدفاع في الجمعية الوطنية الفرنسية، جان لوي تيريوت، إن ألمانيا تركز بشكل متزايد على الدفاع في أوروبا الشرقية، على حساب المشروعات الألمانية الفرنسية المشتركة، فعلى سبيل المثال، وقّعت برلين صفقة مع 13 من أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، العديد منهم في شمال وشرق أوروبا، للحصول بشكل مشترك على درع دفاع جوي وصاروخي، ما أثار انزعاج فرنسا.

ويقول تيريوت «الوضع متوتر بشكل غير مسبوق»، وتزداد التوترات الآن سوءاً. ففي الشهرين الماضيين، قررت ألمانيا إنهاء العمل على مروحية تايغر الفرنسية الألمانية، وتخلت عن دوريات بحرية مشتركة، ورفضت التوقيع على درع الدفاع الجوي، ما شكل ضربة قاضية للعلاقة الدفاعية.

ضجة حول التكاليف

لم يكن تعليق الاجتماع الوزاري الفرنسي الألماني المشترك، الأسبوع الماضي، هو الصدام الأول بين برلين وباريس، عندما يتعلق الأمر بالاجتماعات رفيعة المستوى، فبالعودة إلى أغسطس، كان السؤال هو ما إذا كان شولتس وماكرون سيلتقيان في لودفيغسبورغ في التاسع من سبتمبر للاحتفال بالذكرى الـ60 لخطاب شهير، ألقاه الرئيس الفرنسي السابق، شارل ديغول، في بلدة جنوب غرب ألمانيا. ولكن على الرغم من الطبيعة الرمزية للغاية لذلك الحفل، لم يحدث اجتماع القادة أبداً، حيث قدم المسؤولون روايات متضاربة عن سبب حدوث ذلك، من تعارض التعيينات إلى الخلافات المزعومة حول من يجب أن يتحمل التكاليف.

في أواخر الشهر الماضي، شعرت باريس باستخفاف برلين عندما لم يجد شولتس حرجاً للتحدث إلى رئيسة الوزراء الفرنسية، إليزابيث بورن، وتم إلغاء اجتماع بين الزعيمين في برلين، لأن المستشار أصيب بفيروس «كورونا»، لكن العديد من المسؤولين الفرنسيين أخبروا صحيفة «بوليتيكو» بأنه تم أيضاً إلغاء مؤتمر بالفيديو، تم ترتيبه لاحقاً، بزعم أن الألمان أبلغوا مكتب بورن، أن شولتس شعر بالمرض.

إلا أن باريس كانت أكثر دهشة وانزعاجاً، عندما ظهر شولتس في اليوم نفسه عبر الفيديو في مؤتمر صحافي، ولا تبدو عليه آثار للمرض المزعوم، ولكنه أعلن بثقة عن حزمة إغاثة للطاقة بقيمة 200 مليار يورو. ويقول الفرنسيون إنه لم يتم اطلاعهم على الأمر مسبقاً، ورفض متحدث ألماني التعليق.

• باريس منزعجة من اتخاذ ألمانيا قراراً بمفردها بشأن وضع حد لأسعار الغاز وعدم دعمها لمشروعات تكنولوجيا الدفاع الأوروبية المشتركة.

• خلال الأسابيع الأخيرة، اختلف كل من شولتس وماكرون حول كيفية معالجة أزمة الطاقة، وكيفية التغلب على عجز أوروبا في الدفاع عن نفسها، وأفضل نهج للتعامل مع الصين.

• امتنع ماكرون عن توجيه انتقادات مباشرة لصفقة ميناء هامبورغ المثيرة للجدل مع شركة كوسكو الصينية، التي أتت قبل فترة وجيزة من زيارة شولتس إلى بكين.

 

Scan the code