هل داعبت فكرك هموم فنيّة من هذا القبيل: هل محض مصادفة أن توارى أساطين الفنون في بضعة عقود. كبار التلحين، شعر الأغاني، كبار الأداء عزفاً وغناء، كبار الأجناس الأدبية، القصة والسيناريو، كبار المخرجين والممثلين، كبار أشياء كثيرة غير خافية؟
عجائب الاختفاء هي الخافية، السافية، التي مالها رافية ولا شافية، وقل ما بدا لك في هذه القافية.
عند التنقيب عن جذور مشكلات الموسيقى العربية، علينا أن نتوقف عند نقطة مهمة تنسينا المشكلات، وتضعنا أمام مأساة: إذا كان «مؤتمر الموسيقى العربية» في القاهرة 1932، أعظم ملتقى موسيقي أكاديمي بحثي علمي في تاريخ موسيقانا، فكيف أضاعه العرب وذهبت ريحه، فلم يؤسس عليه شيء يذكر؟ قبل ثمانية عقود استقبلت القاهرة أعلاماً عالميين في التأليف الموسيقي، مثل الهنجاري بيلا بارتوك، الألماني باول هيندميث، الفرنسي هنري بنجامين رابو، ومؤرخين موسيقيين وإثنوموسيقيين مثل النمساوي إريك موريتز فون هورنبوستل، رودولف ديرلانجيه، الألماني هنري جورج فارمر، أشهر مؤرخ للموسيقى العربية، الأمريكي كورت زاكس، صاحب كتاب «تراث الموسيقى العالمية»، الذي ترجمته سمحة الخولي، وراجعه د.حسين فوزي. شارك في المؤتمر موسيقيون من تركيا وإيران أيضاً.
هل لديك كلمة أفضل من مأساة؟ المشهد عجيب: صرح التطوير لم يقم، التراجيديا هي حدوث التداعي. النمو الموسيقي الذي حدث في النصف الأول من القرن العشرين، كان نمواً طبيعياً، أي لا علاقة له بثمار أشجار زرعوها وسقوها ورعوها في حقول المؤتمر. فصل آخر من المأساة يتمثل في أن طريقة التفكير العربية قائمة على أرخبيل الجزر المنفصلة. تأمل جيداً: المعاهد الموسيقية الموجودة تعمل كمدارس لتعليم الموسيقى، ولا صلة لها بالموسيقى والوسط الموسيقي والحياة الثقافية وضرورة ترابط مكوناتها. الملحنون، أبراج عاجية متباعدة. هل سمعت يوماً بأن محمد عبد الوهاب، السنباطي، زكريا أحمد وغيرهم، عقدوا ندوة لبحث واقع الموسيقى العربية ومستقبلها وسبل تطويرها؟
في الحقيقة، قد يكون في أذهان أولئك الأساطين خلط بين أمرين، لعلهم يرون أن مسؤوليتهم في التطوير تقتصر على الإبداع في أعمالهم، هم يطورون أعمالهم، أي ليس ما يفعلونه بحثاً علمياً في فضاء أوسع هو الموسيقى العربية. مراكز العلوم الموسيقية، وهي نادرة عربياً، تعمل غالباً ضمن إطار بحثي تاريخي، لهذا لا نرى آفاقاً مستقبلية للدراسات النغمية.
لزوم ما يلزم: النتيجة التوضيحية: الحديث وصل إلى نقطة عدم السيطرة، فلا بدّ له من تكملة، إن شاء الله.
[email protected]