مادبا- يرى الفنان الأردني تيسير البريجي، أهمية استثمار دور الفن الذي أضحى جزءاً مهماً من الثقافة الأردنية في بناء علاقات متينة مع الشعوب، على اعتبار الفن رسالة محبة تجمع الشعوب، ولابد أن تستثمر هذه الرسالة للتقارب والانفتاح بشكل أكثر على شعوب العالم، لإظهار عمق الموروث الفني الأردني الأصيل.
وينبغي على الفنان أن يقدم صورة إيجابية إلى الجمهور باستغلال مكانته لبعث رسائل السلم والحب والسلام، والطاقة الإيجابية، والمساهمة في القضاء على كل الظواهر السلبية في مجتمعاتنا.
ويؤكد البريجي الذي بدأ مسيرته الفنية العام 1988، أن الأعمال الدرامية التلفزيونية الأردنية بدأت تستعيد عافيتها من جديد بسبب تطويرها والارتقاء بخطابها الفني والفكري، مشيراً إلى أن فن الفرجة هو تجسيد الواقع الإنساني برؤية بصرية تتضمن العديد من الأدوات الفنية التي من شأنها إبراز أفكار وابتكار حلول للقضايا المجتمعية، كون الإنسان والفن متلازمين، ما جعل كل واحد منهما يؤثر في الآخر، لكن الإنسان هو الأكثر استفادة بما تحققه الفنون من إشباعات روحية ووجدانية تطهر النفوس من الطاقات السلبية والانفعالات الحارقة ومن السلوك العدواني.
وتطرق البريجي الذي شارك في مسرحية “البلاد طلبت أهلها” للمخرج التونسي الراحل المنصف السويسي، إلى أهمية المسرح في الإسهامات التي تلبي احتياجات الإنسانية الجمالية والذهنية، وعزز ذلك وجود الجمهور الذي يرتاد المسرح، ما جعل المسرح حقلاً طبيعياً لتحقيق رسالته ذات المضامين الاجتماعية للجمهور بطريقة مباشرة، دون وجود حواجز أو عثرات، لكون الفنون المسرحية بفروعها كافة وسيلة من وسائل التنوير الاجتماعي والثقافي ونشاطه يسهم في بناء الفكر العام، لأن الفنون المسرحية من الفنون الجماهيرية التي تعزز روح الجماعة وتكرس مفهوم التواصل والامتداد ليتم تجسيد الوحدة الفكرية والثقافية في صورة المسرح.
ويقول “إن المسرح حي، وهو الجذر الذي تولدت عنه بقية الفروع، ما يؤكد ذلك أن الفنون المسرحية ليست مجرد تسلية أو وسيلة ترفيهية بقدر ما تسهم باكتشاف النواحي الجمالية، كون المسرح يعتمد في جوهره على حصيلة المعرفة في شمولها العام وعلى قدرة الإنسان على الاستكشاف والتعجب والتأمل؛ حيث ما يزال المسرح هو انطلاق الشرارة نحو الثقافة والمساعدة على تطوير المجتمعات والوصول إلى حال أفضل لتحقيق رسالته التي تحتضن استثمار الجوانب التقنية والإبداعية والفكرية مجتمعة في إطار المسرح.
ويؤكد البريجي، أن مسرح الصحراء لا يقل أهمية عن أنواع المسارح كافة، فهو يخضع لفضاءات الطبيعة الصحراوية وحياة البداوة، مشيراً إلى تجربته بالمشاركة لمثل هذا النوع من المسرح من خلال مسرحية “زين المها” التي عرضت البيئة البدوية وتكييفها لتناسب قصة المسرحية في مشهدية متكاملة أسهمت في تقديم رؤى بدوية لقصص من تاريخ البادية العربية من حيث ظهور شهامة الرجل وقوة المرأة البدوية.
وتحدث عن الفرجة المسرحية “زين المها” التي عززت مفهوم أدب الصحراء وثقافتها، مع اعتبارها مسرحاً شاسعاً لعرض كل أنواع التعابير المعاصرة، وتحقيق رؤى فنية تعكس تنوع في الأداء من خلال الخروج المسرح من مكانه التقليدي إلى فضاءات رحبة مفتوحة من الرمال والكثبان الصحراوية، وما يلزم الممثلين بالبحث والعمل على تطوير أدواتهم لتتلاءم مع هوية المكان من خلال الاعتماد على أساليب متعددة تختزنها الذاكرة الجمالية لحياة البداوة.
وقال البريجي، في حديثه لـ”الغد”، أثناء مشاركته في الفرجة المسرحية “زين المها” التي عرضت في الساحة الخارجية لمركز شباب جرينة النموذجي بمادبا، إن هذا النوع من الفنون المسرحية يسعى إلى توظيف فضاء الصحراء في العرض المسرحي والخروج بالعروض من طريقتها التقليدية إلى فضاءات تناسب خصوصيات المنطقة الصحراوية، إضافة إلى السعي الجاد إلى استكشاف واستظهار الصلات الكائنة والممكنة بين أشكال التعبير الأدائي والسردي التي تعمر الصحراء وفن المسرح.
وتحدث البريجي الحاصل على درجة البكالوريوس من المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة، عن مسرح الميلودراما وأهميته كونه يعتمد على الأداء الحركي والإيحائي والإشاري للجسد على خشبة المسرح يشكل لغة خاصة، تمثل دورا أساسيا في الرسالة التي يحملها العرض المسرحي فنياً وجمالياً وموضوعياً، وإن هذا النوع من المسارح له جمهوره -يمكن من خلاله تمييز رؤى المخرج والممثل والسينوغرافيا، إنه نص بحد ذاته حتى وإن تم بناؤه على نص أدبي. بل إنه النص الأقرب إلى المتفرج لآخر بما يحمله من دلالات، مؤكداً أن الأداء يعد نظامًا لغويًا يحافظ به الجسد على بقائه في النص والعرض، ما يدل على مفهوم الجسد الأدائي الذي يرتبط بالمفهوم الفلسفي للجسد البشري الذي يرتبط بالهوية الثقافية بوصفه منتجًا للمعنى الدرامي، والمسرح يعتمد خطابًا معرفيًا يجسد الأداء لغةً ينخرط مفهومها بشكل مباشر عبر قناة تواصلية تجمع بين المفهوم الثقافي والفلسفي لتصبح حركة الجسد مكونًا رئيسًا لنظريات الأداء الجسدي.
واختتم البريجي ليؤكد أن الفن الراقي، رسالة إنسانية تعبر عن مديات الجمال والمعنى الآخر للحياة، وتجسد التراث والتقاليد الأصيلة للبلدان والشعوب، مشيراً إلى أن الفن هو الوسيلة والأداة التي يعبر بها الفنان عن مشاعره ورؤيته تجاه المجتمع، ويترجم ما يراه في الواقع على أعماله الفنية، والفنان هو من يستطيع أن يحرر تفاصيل الجمال والعوالم الخاصة بأسلوبه حسب النص المكتوب سواء في عمل درامي أو مسرحي.
ويشار إلى أن الفنان تيسير البريجي له الكثير من الأعمال التي تنوعت بين المسرحية والتلفزيونية ومنها: (البلاد طلبت أهلها) للمخرج المنصف السويسي، و(محاكمة فنس بن شعفاط) للمخرج قاسم محمد، و(قضية) العام 2007 للمخرج حسن الوزير، مأساة المهلهل، عرائس فوق مسرح متوهج، نيرفانا، عصابة دليلة، الزيبق، والعديد من الأعمال المسرحية، ومن أعماله التلفزيونية: الحجاج، السقاية، عنبر ج، العزيم، درب الشهامة، ثمن الجديلة، الكهف، شو الحل يا خال، ويا هملالي، ومسلسلات حكايا.